أرواح مسروقة: كابوس العصر الحديث تحليل عميق لظاهرة الإتجار بالبشر في يومه العالمي

الاتجار بالبشر

أرواح مسروقة: كابوس العصر الحديث تحليل عميق لظاهرة الإتجار بالبشر في يومه العالمي

أرواح مسروقة: كابوس العصر الحديث

تحليل عميق لظاهرة الإتجار بالبشر في يومه العالمي

الدكتور اكرم حياوي

المقدمة

   في عالم تتسارع فيه عجلة التقدم والتكنولوجيا، تظل ظاهرة الاتجار بالبشر كابوس العصر الحديث وتهدد النسيج الاجتماعي وتنتهك قيم الإنسانية، اذ تتربص هذه الظاهرة المروعة بالضعفاء والمحرومين الذين يواجهون صعوبه في الحصول على قوتهم اليومي، وان هذه الجريمة تجتاح ثقافات مختلفة، وتتجاوز الحدود الجغرافية لتشكل تحدٍ إنسانياً واسعاً يتطلب تصدياً جاداً وفعالاً، فيما نتحدى تلك الصعوبات والتحديات التي تفرضها ظاهرة الاتجار بالبشر، يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أن هذا الكابوس لا يقتصر على قضايا قانونية فحسب، بل هو تهديد شامل يضرب عرض الحائط قيمنا الإنسانية والأخلاقية الأساسية، مما يستدعي من اتحاد مختلف الشعوب والمنظمات والديانات لوقف هذا الجرم البشع عن طريق تبني استراتيجيات شاملة لمواجهته وحماية الضحايا وتأمين حقوقهم بكل حزم وإصرار وتوفير أماكن إيواء مناسبة للضحايا وإعادة اندماجهم مع المجتمع.

في هذا السياق، يجدر بنا أن نركز على تعزيز الوعي والتعليم بشأن أبعاد هذه الظاهرة عن مجتمعنا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون والتنسيق الدولي لمكافحة هذا الشر العابر للحدود، اذ إن مواجهة كابوس الاتجار بالبشر، تتطلب تصميماً جاداً وجهوداً مشتركة من كافة الجهات المعنية للقضاء على هذه الجريمة وضمان عدالة وإنسانية أفضل لجميع البشر بدون استثناء.

اولاً: تعريف الاتجار بالبشر وأبعاده:

أ - تعريف الاتجار بالبشر:

   الاتجار بالبشر بشكل عام  يُعرف بأنه استغلال الأشخاص عبر وسائل غير قانونية، مثل القوة أو الاحتيال أو الإكراه بهدف إجبارهم على العمل أو الاستغلال الجنسي أو استغلالهم بأي شكل آخر، يُعد هذا النشاط جريمة دولية خطيرة تؤثر على ملايين الأفراد حول العالم، معظمهم من الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء والمهاجرين.

في حين نجد ان المشرع العراقي قد عرف الاتجار بالبشر في المادة (1/اولاً) من قانون الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012:

يقصد بالاتجار بالبشر لأغراض هذا القانون تجنيد اشخاص أو نقلهم أو ايوائهم أو استقبالهم , بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو باعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية .

2. أبعاد ظاهرة الإتجار بالبشر

    يعد الإتجار بالبشر من بين أكثر الأنشطة الإجرامية ربحًا على الصعيد الاقتصادي، حيث يُقدر حجم واردات الجهات المتاجرة بالبشر بمليارات الدولارات سنويًا،و في الوقت الحالي، يتم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متزايد في جذب الضحايا. 

  من الناحية الاجتماعية، تترك أبعاد هذه الجريمة أثرًا دائمًا على ضحاياها، حيث يتم تدمير حياتهم النفسية والاجتماعية بشكل كبير.

  أما من الناحية القانونية، فإن المجتمع الدولي يواجه تحديات كبيرة في مكافحة هذه الظاهرة نظرًا لتعقيداتها وتنوع أشكالها ويتطلب تحديث مستمر لتشريعات القوانين لغرض فرض عقوبات متجدده تحد من هذه الجريمة، وان هذه الجريمة  تترك أثرًا مدمرًا على نفوس الضحايا ويعقّد العمليات القضائية المتعلقة بها.

ثانياً: أسباب وتداعيات الإتجار بالبشر

1. أسباب انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر

تتعدد أسباب الإتجار بالبشر، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسية:

1. الفقر والبطالة: يؤدي الفقر والبطالة إلى يأس الأفراد، مما يجعلهم اكثر عرضة للاستغلال من قبل ضعفاء النفوس، اذ يجد المتاجرون بالبشر في هذه الفئات أرضاً خصبة لجذب ضحاياهم من خلال وعود كاذبة بتحسين أوضاعهم وتغير حالهم نحو الأحسن . 

2. الاضطرابات السياسية والنزاعات: تساهم الحروب والنزاعات في زيادة أعداد اللاجئين والنازحين، الذين يصبحون فريسة سهلة للعصابات المتاجرة بالبشر، اذ يستغل هؤلاء المجرمون حاجة الأفراد للأمان، ويجبرونهم على أعمال قسرية أو استغلال جنسي.

3. الجهل والأمية: عدم الوعي بحقوق الإنسان وعدم التعليم يزيد من تعرض الأفراد للوقوع في فخ الاتجار بالبشرمن قبل المستفيدين من هذه الجريمة ، كون هؤلاء الأشخاص غير المتعلمين قد لا يدركون مخاطر الهجرة غير القانونية أو عقود العمل المضللة .

2. تداعيات ومخاطر جريمة الاتجار بالبشر

تترك ظاهرة الاتجار بالبشر تداعيات خطيرة على الأفراد والمجتمعات:

1. تدمير الأرواح: يعاني ضحايا الاتجار بالبشر من صدمات نفسية وجسدية طويلة الأمد، تتنوع هذه الأضرار التي يتعرض لها المجني من اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب إلى الأضرار الجسدية نتيجة لسوء المعاملة.

2. تأثيرات اقتصادية: يُخسر المجتمع جزءاً كبيراً من موارده البشرية نتيجة لهذا النشاط الإجرامي بسب رغبة الأشخاص بالهجرة من أماكن استوطأنهم ومحل اقامتهم الى بلد اخر جاهلين عقبات الهجرة وسلبياتها على ارواحهم، كما تتكبد الحكومات تكاليف عالية في مكافحة هذه الظاهرة ومعالجة آثارها.

3. زعزعة الاستقرار الاجتماعي: يزيد الاتجار بالبشر من معدلات الجريمة المنظمة ويؤثر على السلامة العامة، مما يضعف من استقرار المجتمعات وعدم التعايش السلمي.

ثالثاً: الجهود الدولية والمحلية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر

1.الجهود الدولية

تلعب المنظمات الدولية دوراً حاسماً في مكافحة الاتجار بالبشر والحد من انتشارها، ومن أبرز هذه الجهود الدولية هي الاتي:

1. بروتوكول باليرمو: وهو بمثابة الصك الدولي الرئيسي في مكافحة الجريمة المنظمة ويعد بروتوكول لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، خاصة النساء والأطفال وسبب اعطاء خصوصية للاطفال والنساء في هذا البروتوكول كونهما اكثر عرضة  يعتبر هذا البروتوكول، الذي أُقر في عام 2000، جزءاً من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

2. منظمة الهجرة الدولية (IOM): توفر المنظمة دعماً كبيراً لضحايا الاتجار بالبشر، من خلال برامج إعادة التأهيل والإعادة الطوعية إلى الوطن والاندماح وتوفير اماكن مخصصة للاشخاص الذبن تعرضوا للاتجار بالبشر.

3. الحملات التوعوية: تنظم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية حملات توعية لزيادة الوعي بالمخاطر المرتبطة بالاتجار بالبشر وحقوق الضحايا.

2. الجهود المحلية

على الصعيد المحلي، تختلف استجابات الدول حسب مواردها وإمكانياتها، الا اننا سوف نستعرض الجهود المبذولة من قبل دولة العراق في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، حيث تشمل بعض هذه الجهود الاتي:

1. تشريعات وطنية: سن العديد من الدول قوانين خاصة لمكافحة الاتجار بالبشر، تحدد عقوبات صارمة للجناة وتوفر حماية قانونية للضحايا، ونلاحظ  ان دستور العراق الحالي في المادة 37 ثالثاً تضمن الاتي (يحرم العمل القسري السخرة والعبودية وتجارة العبيد الرقيق ويحرم الاتجار بالنساء والاطفال والاتجار بالجنس) كما ان المشرع العراقي اقر قانون الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، وكذلك قانون زرع الاعضاء البشرية ومنع الاتجار بها رقم 11 لسنة 2016، وكذلك نظام دور رعاية ضحايا الاتجار بالبشر رقم 7 لسنة 2017،

2. تعاون دولي: التعاون عبر الحدود يعتبر ضرورياً لمكافحة هذه الظاهرة، خاصة في حالة الجريمة المنظمة التي تتجاوز الحدود الوطنية.

3. مراكز حماية وتأهيل: توفر الحكومة العراقية مراكز لحماية وإعادة تأهيل ضحايا الاتجار بالبشر، تقدم لهم الدعم النفسي والقانوني والصحي لكن هذه المراكز تحتاج الى دعم وتوفير كوادر لديها الخبرة في التاهيل.

الخاتمة

الاتجار بالبشر هو كابوس العصر الحديث، الذي يسرق الأرواح ويقضي على الكرامة الإنسانية، على الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة هذه الجريمة، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً ويتطلب القضاء على هذه الظاهرة جهوداً جماعية من الحكومات والمجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني، في يومه العالمي، يجب أن نجدد التزامنا بحماية حقوق الإنسان والعمل معاً لبناء مستقبل أكثر أماناً وعدلاً ونقدم توصياتنا الى الجهات الحكومية ذات العلاقة والمنظمات الدولية والمحلية من اجل المحافظة على عدم سرقة الارواح وبالخصوص ارواح الأطفال والنساء ، ومن اهم التوصيات هي الاتي:

1. تشديد الرقابة على مكاتب جلب الايدي العاملة الأجنبية : كون الكثير اصبح يستخدم غطاء توفير العمالة  في الظاهر لكن بالخفاء يمارس جريمة الاتجار بالبشر.

2.تعزيز التوعية والتثقيف: تعتبر التوعية الفعالة أحد العوامل الرئيسية في مكافحة الاتجار بالبشر، وبيان خطورة هذه الجريمة وتبعاتها الوخيمة على الضحايا والمجتمعات.

3.تشديد القوانين وتطبيقها:  يتطلب الأمر تشديد القوانين وتحديثها بما يواكب فنون العصابات المستخدمة في جريمة الإتجار بالبشر وبالخصوص استخدام مواقع التواصل واستغلال الفقر المادي وإعطائهم الوعود بتغير الواقع والعيش برخاء وسعادة ، لذلك يتطلب تنفيذ القوانين  بكل صرامة، بما في ذلك معاقبة المتورطين وتأمين الحماية للضحايا.

4. تعزيز التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الاتجار بالبشر، بمشاركة الحكومات والمنظمات الدولية لتبادل المعلومات والخبرات وتعزيز الإجراءات الوقائية والردعية وكذلك تشجيع التعاون الفعال مع منظمات المجتمع المدني لدعم جهود مكافحة الاتجار بالبشر وتقديم الخدمات للضحايا، واعداد كادر مختص بتأهيل المتعرضين للإتجار بالبشر من اجل دمجهم مع المجتمع و توفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية الضرورية. 

5. فتح مكاتب لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر في السفارات العراقية المتواجدة في كافة أنحاء العالم من اجل التنسيق وحماية المواطن العراقي من هذه الجرائم.

6. وضع مكافئة مالية لكل من يخبر عن شبكة تمارس الاتجار بالبشر يستحقها المواطن غير الموظف وكتاب شكر من قبل رئيس مجلس الوزراء للأشخاص الموظفين.

7. تكثيف جهود التوعية من قبل مكافحة جريمة الاتجار بالبشر المنتشرة في جميع المحافظات من خلال ورش تستهدف طلبة المدارس والجامعات.