الاهوار العراقية تصارع الموت البطئ

الاهوار العراقية تصارع الموت البطئ

الاهوار العراقية تصارع الموت البطئ

الاهوار العراقية تصارع الموت البطئ ——————————————— تواجه الاهوار العراقية ازمة حقيقية في ظل استمرار تناقص كميات المياه اللازمة لاغمار هذه المحميات الطبيعية، هذه الازمة التي وصفها مختصون بأنها الأكثر قسوة منذ سنوات، أدت الى تراجُع منسوب المياه في المسطحات المائية التي تغطي مساحات كبيرة من محافظات عراقية عدة جنوب البلاد، على الرغم من كونها أساساً للحياة البيئية والتنوع الاحيائي، وقد تكوّن حولها الكثير من التجمعات السكنية التي تضم عشرات آلاف العراقيين. وسجلت الأسابيع الماضية نزوح عدد غير قليل من الأسر من مناطق الأهوار بسبب الجفاف ناهزت ألف عائلة حتى الان، اذ تعتمد اغلب تلك العائلات على تربية الجاموس والمواشي وصيد الاسماك، متأثرةبالجفاف، وكذا الزراعة والصناعة الريفية الخاصة ببناء الحصير والمضائف وبيوت القصب المعتمدة على النبات الطبيعي من البردي والقصب لم تنجو من تبعات هذه الازمة. وانتقد علي الناشي مسؤول منظمة التواصل والاخاء الانسانية السكوت الحكومي عن وضع الاهوار وغياب المعالجات الانية لإنقاذها، لا سيما وان نزوح الكثير من العائلات الاهوارية اسهم في خلو بعض المناطق من السكان بعد عقود من وجودهم فيها، اذ سجلت اهوار الحمار والحويزة وابو زرك هجرة الكثير من ساكنيها. الحاجة زهرة وهي مواطنة تسكن الاهوار الوسطى في قضاء الجبايش بمحافظة ذي قار قالت أن العديد من العائلات نزحت إلى محافظات الفرات الاوسط والعاصمة بغداد بحثا عن الماء لإرواء ماشيتهم واستمرار عملهم في صيد الاسماك، مضيفة في حديثها أن "حركة النزوح لم تتوقف وما زالت متواصلة ، لافتة الى ان المشكلة ستتفاقم مالم يكن هناك حل حكومي يعيد الاهوار الى وضعها الطبيعي " فانخفاض منسوب المياه اثر على جودة الحياة وتنوعها البيئي، مشيرة الى ان انخفاض مناسيب مياه الأنهار اسهم بزيادة ملوحتها وتلوثها الى الحد الذي يتسبب بموت الحيوانات في حال شربها من مياه الاهوار حاليا. الى ذلك وصفت الحكومة المحلية في ذي قار ازمة الجفاف الحالية بالخطيرة، وقال معاون محافظ ذي قار سلامة سرهيد، ان هذه الازمة هي الأعنف التي تضرب الاهوار منذ سنوات، مطالبا الحكومة الاتحادية بالتحرك نحو الأمم المتحدة لتدويل قضية المياه لعدم منح كل من تركيا وإيران حصة العراق المائية لا سيما في فصل الصيف. وفي السابع عشر من يوليو تموز عام 2016، وافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية والتي يقع القسم الاكبر منها ضمن حدود محافظة ذي قار (350 كم جنوب العاصمة بغداد)، بالإضافة إلى بعض المدن الأثرية الموجودة بالقرب من الاهوار كأور وأريدووالوركاء، غير ان انضمام الاهوار الى التراث العالمي لم ينعكس إيجابا على وضعها البيئي ولم يستفد العراق من هذه الميزة، لعدم تدفق كميات وافية من المياه الى تلك المحميات ما عرقل تحولها الى قبلة سياحية كما كانت تامل الحكومة المحلية. من جانبهم يشير أكاديميون الى ان حجم التلوث في مياه الاهوار وصل الى مستويات كبيرة، اذ ان نسب ملوحة الاهوار تخطت 3000 ملموز، وهي نسبةمرتفعة تؤدي الى تسمم المياه وهلاك عدد كبير من الاحياء المائية، فضلا عن التسبب بنفوق المواشي والاسماك. دائرة إنعاش الاهوار في ذي قار اشارت الى ان ازمة الجفاف الحالية قد تتسبب بهجرة داخلية هي الأكبر منذ تسعينيات القرن الماضي، لا سيما وان من بقي من الاهواريين يستعين بالسيارات الحوضية لشراء مياه الشرب، لافتة الى ان المركز وبالتعاون مع الحكومة المحلية يقوم بأرسال سيارات المياه العذبة للأهوار كحل طارئ لمساعدة من بقي منهم في الاهوار الوسطى. وتقدر مساحة الاهوار في فترات الجفاف بـ 3000 كم2، بينما تقدر مساحتها في وقت ذروة المياه ما بين 18-20 الف كم2، في المحافظات الثلاث (ذي قار وميسان والبصرة) فيما تقدر مساحتها قبل تجفيفها من قبل نظام صدام حسين منتصف تسعينيات القرن الماضي بـ40 الف كم2. وكانت وزارة الموارد المائية قد تعهدت مطلع يونيو حزيران الماضي، بالحفاظ على منسوب المياه في الاهوار بما لا يقل عن 95 سنتمتراً خلال موسم الصيف، في محاولة لتفادي ازمة بيئية قد تعصف بالأهوار الا ان ذلك لم يتحقق ولا زال منسوب المياه يتراجع وصولا الى 75 سنتمترا. الى ذلك يقول الناشط البيئي رعد الاسدي، ان الجفاف لم يؤثر على مربي الجاموس وصيادي الاسماك فحسب بل اثر ايضا على اصحاب الزوارق الذين كانوا يعتاشون على نقل السياح وزوار الاهوار من العراقيين والأجانب، حيث كانت تصطف عشرات الزوارق بالقرب من نصب "الشهيد" في قضاء الجبايش شرق الناصرية، لأخذ السواح بجولة مائية في الاهوار، لكن الجفاف اليوم حال دون ان يستمر عمل هؤلاء نتيجة انخفاض المياه وتقلص المساحات المغمورة ما ولد بطالة إضافية بين المواطنين هناك، ويضيف الاسدي ان مؤشرات الانخفاض بدت واضحة، مشيرا الى ان الاهوار العراقية تفقد سنتمترا واحد من المياه بشكل شبه يومي لا سيما في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. أستاذ المناخ التطبيقي بجامعة ذي قار الدكتور عزيز كوطي، قال ان التغيرات المناخية العالمية اثرت سلبا على الواردات المائية ليس للعراق فحسب كونه دولة مصب، بل أثر على دول المنبع كتركيا وإيران اللتان واجهتا هذ الانخفاض مبكرا من خلال بناء السدود لخزن المياه وتوليد الطاقة وهو الامر الذي لم تلتفت له الحكومات العراقية المتعاقبة. وأضاف كوطي ان مؤشرات المناخ العالمي تفيد بان العراق قد يفقد 80% من مياه نهري دجلة والفرات خلال عقد من الزمن وقد تجف مياه النهرين تماما في عام 2040، محذرا في الوقت نفسه من مغبة استمرار التغاضي الحكومي عن هذه المشكلة بل يجب اللجوء الى عقد حوارات ثنائية مع كل من تركيا وإيران لتقاسم الضرر وعدم تحميل العراق وحده تبعات هذا التغير المناخي. تقاسم الضرر واحد من المطالب التي أطلقتهاالحكومة المحلية في ذي قار في مخاطباتها للحكومة الاتحادية ووزارة الموارد المائية، من خلال دعوة الحكومة المركزية الى إقامة دعوى قضائية في المحاكم الدولية ضد كل من تركيا وإيران لتسببهما في تهجير الاف المواطنين والتسبب بخسائر في المواشي والأراضي الزراعية، فضلا عن تجفيف أكبرمحمية مائية طبيعية في الشرق الأوسط وهي الاهوار. وتعد الاهوار واحدة من المستنقعات المائية القليلة التي تقصدها الطيور المهاجرة النادرة في فصلي الشتاء والربيع قادمة من سيبيريا لاعتدال مناخ الاهوار، كما انها بيئة خصبة لنمو نباتات القصب والبردي التي تعد المادة الأساسية لصناعة بيوت القسب والحصير فضلا عن كونه مادة لعلف الحيوانات، كما انها تضم أنواعا كثيرة من الأسماك كالبني والكطان والتي تعد من اندر واغلى أصناف الأسماك في العراق، الا انها وبرغم ذلك لم تلقى اهتماما حكوميا منذ عودة المياه اليها عام 2003 بالإضافة الى مشاكل التغيرات المناخية والجفاف التي اكلت الحرث والنسل في هذه المحميات الطبيعية .