"قمة الرياض: تحولات استراتيجية تربك الحسابات الأوروبية"
"قمة الرياض: تحولات استراتيجية تربك الحسابات الأوروبية"

لم يكن جلوس وزراء خارجية روسيا، الولايات المتحدة، والسعودية على طاولة واحدة مجرد قمة اعتيادية؛ بل جاء نتيجة لجهود دبلوماسية مكثفة قامت بها كل دولة للوصول إلى هذه الطاولة.
منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عملت روسيا بخبرة سياسية وتفاوضية على تجنب الصراعات الكلامية والتحديات الإعلامية. بدلاً من ذلك، امتدحت روسيا ترامب، واصفة إياه "بالذكي والبراغماتي"، كما أشار الرئيس الروسي في 2 فبراير 2025 إلى أنه "سيد القادة الأوروبيين".
في المقابل، أعلن ترامب منذ توليه الرئاسة عن سعيه لإيقاف الحرب الروسية-الأوكرانية. بل ذهب إلى أبعد من ذلك بطلب استرجاع الأموال التي قُدّمت كدعم لأوكرانيا، والتي يقدّرها بـ300 مليار دولار. إلا أن المساعدات التي صوّت عليها الكونغرس الأمريكي في عهد الرئيس بايدن بلغت 170 مليار دولار فقط، ووصل منها 76 مليار دولار حسب تصريح الرئيس الأوكراني زيلينسكي. ومع ذلك، أوقف ترامب هذه المساعدات وطالب باستعادتها عبر "صفقة المعادن".
أضاف وزير الدفاع الأمريكي في اجتماع لحلف الناتو أن الولايات المتحدة لم تنشر قوات في أوكرانيا، وأن استعادة الحدود الأوكرانية لما قبل 2014 ليست هدفاً أمريكياً. دعا كذلك إلى نشر قوات أوروبية على الحدود الروسية شرط ألا تكون من قوات الناتو، مما اعتُبر اعترافاً ضمنياً بالسيطرة الروسية على الأراضي الأوكرانية المحتلة. كما أشار هذا التصريح إلى استثناء القوات الأوروبية من الدفاع المشترك بموجب المادة الخامسة من اتفاقية الناتو.
فوجئ القادة الأوروبيون بهذه التطورات، مما دفعهم للتشكيك في قدرة ترامب على التفاوض مع روسيا. وفي 12 فبراير، أعلن ترامب عن اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما زاد من صدمة القادة الأوروبيين وأربكهم. دعا القادة الأوروبيون إلى اجتماعات طارئة دون اتخاذ قرارات واضحة باستثناء الدعوة الفرنسية للاعتماد على القدرات الدفاعية الأوروبية، وهو اقتراح لطالما رفضه الألمان بسبب تقليلهم للإنفاق الدفاعي واعتمادهم السابق على الغاز الروسي والحماية الأمريكية.
يسعى الاتحاد الأوروبي للمشاركة في أي مفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن يبدو أن فرصهم ضئيلة في التأثير على شروط هذه الاتفاقيات، ما قد يضطرهم إلى قبولها بشروط يفرضها الآخرون.
• لماذا الرياض؟
تمتعت المملكة العربية السعودية بموقف الحياد طوال سنوات الحرب الروسية-الأوكرانية. لم تعبأ بالعقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على روسيا، بل عززت نشاطها التجاري مع موسكو بالتعامل بالروبل الروسي، إلى جانب تطوير علاقات جديدة مع الحكومة الروسية. كما استضافت السعودية الرئيس الأوكراني خلال القمة العربية وقدّمت مساعدات معقولة لأوكرانيا. كل هذه العوامل دفعت الإدارة الأمريكية لاختيار الرياض لعقد هذه القمة التاريخية.
• نتائج القمة :
يُعتبر فتح السفارات وعودة الدبلوماسيين بين روسيا والولايات المتحدة بداية جديدة للمفاوضات بين البلدين، ورسالة واضحة للأوروبيين بأن الولايات المتحدة تتجه نحو إنهاء الحرب في شرق أوروبا مع الاعتراف بالسيادة الروسية على بعض الأراضي الأوكرانية. كما نجحت روسيا في منع وصول الناتو إلى حدودها الغربية، مما يعزز نفوذها في أوروبا، خاصة في ظل استمرار الاتحاد الأوروبي في المعاناة من تداعيات خروج بريطانيا.
نحن بانتظار اللقاء المحتمل بين الرئيس بوتين ونظيره ترامب قبل نهاية الشهر الحالي، والذي قد يشكل ملامح المرحلة المقبلة.