الاقتصاد العراقي: أزمة الاعتماد على النفط وإهمال الموارد البديلة.
الاقتصاد العراقي: أزمة الاعتماد على النفط وإهمال الموارد البديلة.
يُعد الاقتصاد العراقي واحدًا من أكثر الاقتصادات التي تعتمد على النفط في العالم، حيث تشكل عائداته أكثر من 90% من إيرادات الدولة. وعلى الرغم من أن العراق يمتلك ثروات طبيعية ضخمة وقطاعات اقتصادية متنوعة قادرة على توفير مصادر دخل إضافية، إلا أن هذه الموارد تعاني من الإهمال وسوء الإدارة.
اليوم، ومع التقلبات المستمرة في أسعار النفط، باتت الحاجة ملحّة لتنويع الاقتصاد العراقي، وتعزيز استغلال القطاعات غير النفطية مثل الغاز الطبيعي، والسياحة الدينية، والزراعة، والصناعة.
وعلى الرغم من أن العراق يمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم، إلا أن اعتماده الكلي على النفط جعله عرضة للأزمات الاقتصادية. ففي كل مرة تنخفض فيها أسعار النفط عالميًا، يتعرض الاقتصاد العراقي لضغوط مالية كبيرة تؤثر على مستوى المعيشة، وتُضعف قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية. هذه التبعية أحادية المصدر جعلت العراق يواجه تحديات مستمرة، خاصة في ظل غياب خطط اقتصادية استراتيجية حقيقية لتنويع مصادر الدخل.
ومن أهم الأمثلة على الثروات المهدورة هو الغاز الطبيعي الذي يُعد العراق واحدًا من أكبر الدول التي تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، ومع ذلك، يتم حرق كميات هائلة منه سنويًا. وفقًا للتقديرات، يحرق العراق أكثر من 17 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، مما يجعله ثاني أكبر دولة في العالم من حيث حرق الغاز بعد روسيا. هذه الكميات كان يمكن استغلالها لتغطية احتياجات العراق من الطاقة، وتقليل الاعتماد على استيراد الغاز من إيران، بل وتحقيق إيرادات ضخمة من تصديره إلى الأسواق العالمية.
وهنا نقول بالفم المليان إنه إذا تم تطوير قطاع الغاز بالشكل الصحيح، فإنه يمكن أن يسهم في تشغيل محطات توليد الكهرباء، ويدعم الصناعات البتروكيماوية، ويوفر فرص عمل كبيرة للعراقيين. لكن حتى الآن، ما زالت الاستثمارات في هذا القطاع ضعيفة، وتعاني من سوء التخطيط والفساد.
المثال الثاني المهم جدا هو السياحة الدينية التي أعدها كنز غير مستثمر..
فالعراق يمتلك مواقع دينية هامة مثل العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية، والتي تستقطب ملايين الزوار سنويًا من مختلف الدول، خاصة إيران، والهند، وباكستان، ودول الخليج. لكن على الرغم من هذه الأعداد الضخمة، فإن السياحة الدينية لم تتحول إلى صناعة حقيقية بسبب ضعف البنية التحتية، وغياب الخدمات السياحية المتطورة، وعدم وجود خطط واضحة لتنظيم القطاع.
في المقابل، نجد أن دولًا مثل السعودية وإيران تحققان مليارات الدولارات من السياحة الدينية عبر الاستثمار في الفنادق الفاخرة، وتقديم تسهيلات للزوار، وتنظيم الرحلات السياحية.
وبقي العراق، رغم امتلاكه لمواقع دينية أكثر جذبًا، إلا أنه لا يستفيد منها بالشكل الأمثل. والكل يعلم أنه إذا تم تطوير هذا القطاع، يمكن أن يصبح من أهم مصادر الدخل القومي، ويوفر فرص عمل هائلة.
المثال الثالث هو الزراعة والصناعة، هذه القطاعات المنسية المهمة التي كان العراق قبل عقود، يُعرف بأنه "سلة غذاء الشرق الأوسط" بفضل موارده المائية وأراضيه الزراعية الخصبة. لكن اليوم، يعتمد العراق بشكل شبه كلي على استيراد المواد الغذائية من الخارج، بسبب تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة سوء الإدارة، وشح المياه، وغياب الدعم الحكومي.
أما القطاع الصناعي، فقد كان العراق يمتلك قاعدة صناعية قوية في العقود الماضية، لكنه تعرض للدمار بسبب الحروب وسوء الإدارة بعد 2003. ومعظم المصانع الحكومية أُغلقت، وتحولت البلاد إلى سوق استهلاكي يعتمد على الاستيراد، مما أدى إلى ضعف الاقتصاد وزيادة البطالة.
ومن أكثر الأسباب التي تمنع إستثمار خيرات العراق هو الفساد وسوء الإدارة
فلا يمكن الحديث عن الاقتصاد العراقي دون التطرق إلى الفساد الذي يُعد واحدًا من أكبر العقبات أمام التنمية. العراق يحتل مراتب متقدمة في مؤشرات الفساد العالمية، حيث تذهب مليارات الدولارات سنويًا إلى جيوب الفاسدين، بدلًا من استثمارها في تطوير القطاعات الحيوية. إضافة إلى ذلك، فإن البيروقراطية والروتين الحكومي يعيقان أي محاولة للاستثمار، مما يجعل بيئة الأعمال في العراق طاردة لرؤوس الأموال الأجنبية والمحلية. وإذا لم تتم محاربة الفساد بجدية، فلن يتمكن العراق من تحقيق أي تقدم اقتصادي حقيقي.
ما الحل؟
لحل أزمة الاقتصاد العراقي، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الفورية والاستراتيجية، وأهمها:
١. يجب تقليل الاعتماد على النفط، وتطوير القطاعات الأخرى مثل الغاز، والسياحة، والزراعة، والصناعة.
٢. استثمار الغاز المصاحب بدلاً من حرقه، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتقليل الاستيراد.
٣. تحفيز السياحة الدينية وتطوير البنية التحتية، وبناء فنادق حديثة، وإنشاء شركات سياحية متخصصة، وتسهيل دخول الزوار الأجانب.
٤. إعادة إحياء الزراعة والصناعة: تقديم دعم حكومي حقيقي للمزارعين، وإعادة تأهيل المصانع، وتشجيع الإنتاج المحلي.
٥. مكافحة الفساد عبر إصلاح النظام الإداري، وتعزيز الشفافية، وإنشاء بيئة استثمارية نظيفة وجاذبة.
٦. تشجيع الاستثمار الأجنبي عبر توفير بيئة عمل آمنة، وإصدار قوانين تحمي المستثمرين، وإزالة العقبات البيروقراطية.
وفي الختام نقول إن الاعتماد الكلي على النفط جعل الاقتصاد العراقي هشًا وعرضة للأزمات، في حين أن البلاد تمتلك ثروات هائلة غير مستغلة. فالحل يكمن في تبني رؤية اقتصادية متكاملة تقوم على التنويع، والاستثمار في القطاعات غير النفطية، ومكافحة الفساد.
إن العراق يمتلك كل المقومات ليصبح قوة اقتصادية كبرى، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تم اتخاذ قرارات جريئة وإصلاحات حقيقية.
غفار عفراوي