الأمام الحسين .. التضحية التي أحيت الأمة
الإمام الحسين
الإمام الحسين .. التضحية التي أحيت أمة
حسين الزيادي
من أعظم المصائب التي ابتليت بها الأمة الإسلامية، هي الركون والاستسلام للحكام الظلمةً والمستبدين، بل التطبيل والتصفيق لهم في أحيان أخرى، وإضفاء صفة الشرعية والقداسة على افعالهم، وهو أمر راق لهم فتغطرسوا وتجبروا وروجوا لنظريات ما انزل الله بها من سلطان، ومنها نظريات الطاعة التي أحتلت حيزاً في الخطاب الإسلامي، ومفادها وجوب طاعة الحاكم وإن أمتلك رقاب المسلمين بالقوة والإكراه لأن الله تعالى قد مهد له تلك السيطرة، وذهب البعض الى عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر بدواعي الحفاظ على الوحدة واجتماع الكلمة، وحفظ الأمن، وإقامة الجهاد وشعائر الإسلام، فظهرت نظرية الحاكم المستبد المطلق التي عززها الحكام بعشرات الأحاديث الموضوعة عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، وهذا الخضوع والاستسلام لم يكن له ان يُعالج بالخطب والمواعظ وحملات التوجيه والإرشاد، وقد أدرك الإمام الحسين عليه السلام ما سيؤول له أمر الأمة الإسلامية وخطورة هذه النظرية على شريعة جده المصطفى، فكانت دماءه عليه السلام تعبيراً حياً وواقعياً على رفض هذه النظرية و إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة.
شرعية الخروج
لقد أرسى الإمام الحسين عليه السلام مبادئ سامية، ورفض نظريات كان مهيأ لها أن تصبح قوانين غير قابلة للنقاش، وهذه المبادئ تقوم على اساس مبدأ (مثلي لا يبايع مثله) تلك المقولة التي أباحت شرعية الخروج على الحاكم الظالم، فضلاً عن مبدأ عدم الحيادية بين الحق والباطل، فلا مداهنة على الحق في مدرسة محمد وآل محمد صلوات اللـــــــــــــه عليهم . لا يعطي الإسلام الشرعية لوجود الطغاة في الحكم وهذا أساس فلسفة الجهاد ضد الطواغيت في الأرض وإقامة العدل، لذلك خرج الإمام الحسين (ع) للقضاء على الإسلام الشيطاني المزيّف في وقت بلغت الأمة مرحلة متقدمة من تزوير وتزييف المفاهيم الإسلامية، وقد ذكرهم الإمام الحسين (ع) في خطبته في بداية مجيئه بقوله : فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَدْ قَالَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللَّهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ.
ان من أهداف الثورة الحسينية إنها قامت من أجل هز الضمائر الميتة، في مجتمع اصيب بمرض فقدان الإرادة ، وموت الضمير، واحتضار الشكيمة، والاذعان للطغاة ، والعبودية للظالم، بحيث كانت الأمّة تعرف رموز الحق واهله، ورموز الباطل وانصاره وحاشيته، لكّنها كانت متقاعسة، ومتخاذلة، ومستكينة، وخائفة من نصرة أهل الحق لفقدانها الضمير الحي، والإرادة الصلبة، والى ذلك أشار الفرزدق الشاعر المعروف عندما سأله الامام عليه السلام في الطريق عن احوال الناس فقال : قلوبهم معك وسيوفهم عليك، فالغالب الأعم في عصر الإمام الحسين (عليه السلام) اتّجه الى حياة الدعة، والرفاهية، والاهتمام بالحياة الشخصية وزخارف الحياة، فكان الموت للإمام اختياراً وليس خياراً، وكانت معركة الطفّ حفاظاً على منبر الرسول صلى الله عليه وآله، لذلك بقيً الإمام الحسين حياً في الوجدان البشري كمظلومية، وفي الإرث الإنساني كفكر وقيم ومبادئ تتجدد كل عام.
ومن المعطيات المهمّة التي أفرزتها واقعة عاشوراء، وكان لها أثر مهم في إيقاظ الأُمّة واستنهاضها هو ما حصل من شعور كبير بالتقصير والندم لدى شرائح واسعة من الأُمّة الإسلامية فقد بقت دماء الحسين شجرة معطاء تغذي وتسير في عروق الأمة، فقامت العديد من الثورات بعد كربلاء وكلها رفعا شعار (يا لثارات الحسين) والى اليوم والى ما شاء الله ستبقى نهضة الإمام الحسين عليه السلام نبراساً للثائرين والمضطهدين في كل زمان ومكان.
لقد كانت عاشوراء قيمة أُضيفت إلى منظومة القيم الإنسانية الراقية، التي تصنع الحضارة وتصبغ الإنسان بصبغتها الرافضة لكل أنواع الظلم والجور والطغيان، فصرخة عاشوراء مدوِّية، وراية كربلاء عالية، ومضامينها عميقة، وآثارها باقية، فقد كانت حدّاً فاصلاً منعت نمو الفساد في الهوية الإسلامية الأصلية، فشرّعت الموت من أجل الحياة، وخرجت ملحمة عاشوراء بمعطيات ملحمية رائعة توجت صفحات التاريخ بأسمى التضحيات, وخلدت ما لم تخلده الملاحم الأخرى لأنها أتت من مواقف عقائدية صادقة ، مخلصة، استندت إلى الفكر المحمدي الاصيل واشتملت بين طياتها على مبادئ الخط الرسالي الذي يرتكز على مبادئ عظيمة , فالثقافة الحسينية بنيت على منهج العطاء من اجل مرضاة الله تعالى وقدمت القرابين لحفظ رسالة السماء, ولاجل ذلك وهب الإمام(عليه السلام) نفسه للسيوف من اجل مقارعة الباطل وتقويم المجتمع, فعمق المفاهيم التي اُرخَت في سطور الطف مبينة تعابير الروح وخلجاتها النقية المؤمنة النابعة من إرادة أبي الأحرار(عليه السلام)، واليوم تمر علينا ذكرى عاشوراء ونحن بحاجة ماسة الى أعادة استحضار سيرة أهل البيت (عليهم السلام) واستلهام الدروس والعبر من تلك السيرة المباركة العطرة التي تمثل الإسلام المحمدي الاصيل بكل معانيه الانسانية الراقية، والاقتداء بالإمام الحسين (عليه السلام) في أخلاقه وسيرته ونهجه، من أجل العمل على اصلاح مجتمعنا وفق المبادئ الإسلامية القويمة، ومحاربة الفكر الإرهابي المتطرف ومواجهة الغزو الثقافي الغربي.
جرح ينزف
سلاماً عليك أبا عبد الله وأنت تصارع بقايا الالم ، سلاماً عليك أبا عبد الله وجرح مصابك لازال ينزف في اعماقنا، فيا كعبة آمال المؤمنين ويا وارث النبين، يوم طفك الدامي وشهادتك الخالدة أدمت قلوبنا، فتحية أجلال و اكبار لروحك الطاهرة الزكية، وانت الحي الذي لم ولن تمت ابداً لان الشهداء أحياء يولدون يوم يموتون.. وتلك حقيقة لا سبيل لجحودها.. عليك ابا علي الآف التحية والسلام، يوم ولدت ويوم ربيت في حجر الرسالة ويوم جاهدت من اجل ان تعلو راية الاسلام خفاقة سلا تكشف النقاب عن براثن الجاهلية المتسترة بشعار الاسلام ويوم استشهدت وانت تروَي بدمك الطاهر شجرة الاسلام الباسقة ويوم تبعث حياً ، سلاماً عليك وانت تحمل وسام الفوز من أعلی عليين.