بوصلة الأولويات في البرلمان العراقي : الجواز الدبلوماسي يتقدّم والتنمية تتأخر .

بوصلة الأولويات في البرلمان العراقي : الجواز الدبلوماسي يتقدّم والتنمية تتأخر .

بوصلة الأولويات في البرلمان العراقي : الجواز الدبلوماسي يتقدّم والتنمية تتأخر .

بوصلة الأولويات في البرلمان العراقي: الجواز الدبلوماسي يتقدم والتنمية تتأخر

د. أكرم حياوي : 

في وقت يعاني فيه العراق من انقطاع الكهرباء لمدة 12 ساعة يوميًا، وبطالة تلامس 45%، وأزمة مياه تهدد الزراعة، إلى جانب ازدياد التصحر والنزوح المناخي نتيجة التغيرات المناخية، فضلًا عن العديد من القضايا الملحّة التي تمسّ كافة أطياف الشعب العراقي دون استثناء، نجد أن مجلس النواب العراقي يضع في صدارة جدول أعماله مسألة منح "الجواز الدبلوماسي الأحمر"، ما يثير تساؤلًا جوهريًا: هل انحرفت بوصلة الأولويات، بحيث تتقدم الامتيازات السياسية على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، رغم أن الأخيرة تمثل الركيزة الأساسية لتحقيق الاستقرار والازدهار في البلاد؟

وسؤال آخر يطرح نفسه: هل نحن بحاجة ماسّة إلى مثل هذه الامتيازات بعد مغادرة المسؤولين مناصبهم؟

غياب العدالة الاجتماعية بسبب "الجواز الأحمر"

أثار تعديل قانون الجوازات في العراق جدلًا واسعًا على المستويين السياسي والشعبي، إذ نصّ التعديل على منح الجوازات الدبلوماسية للمسؤولين الحاليين والمتقاعدين، بما في ذلك عائلاتهم، ولمدى الحياة. والأمر اللافت أن هذا التعديل يتضمن العديد من المخالفات القانونية والدستورية، إذ يمنح الجواز الدبلوماسي لجميع المسؤولين، سواء كانوا وزراء، نوابًا، أو وكلاء وزارات، بغض النظر عمّا إذا كانوا لا يزالون في مناصبهم أم متقاعدين. بل والأكثر من ذلك، يمتد الامتياز ليشمل عائلاتهم، ما يثير تساؤلات حول مدى العدالة الاجتماعية في هذا القرار.

يحمل الجواز الدبلوماسي امتيازات عديدة، منها:

إعفاءات جمركية في المطارات الدولية.

حصانة دبلوماسية تشمل حامله وعائلته.

معاملة تفضيلية في السفارات العراقية.

مخالفة دستورية واتفاقية دولية

يواجه هذا التعديل انتقادات واسعة من المواطنين والمراقبين السياسيين، إذ يتعارض مع مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور العراقي في المادة (14). كما يخالف اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)، التي تحدد ضوابط العمل الدبلوماسي وتوضح أن الجوازات الدبلوماسية تُمنح فقط للمسؤولين الذين يشغلون مناصب دبلوماسية أو يساهمون في تعزيز العلاقات الدولية. والعراق، الذي انضم إلى الاتفاقية في 14 يوليو 1963، ملزم قانونيًا بالامتثال لمضامينها.

أين قوانين التنمية من الأولويات البرلمانية؟

من المثير للمفارقة أن البرلمان يناقش "امتيازات النخبة السياسية" بسرعة، بينما تتعثر قوانين التنمية التي تمس حياة المواطنين، ومن أبرزها:

1. قانون النفط والغاز، الذي ينظم توزيع العائدات النفطية بين المحافظات.

2. قانون الابتزاز الإلكتروني، لحماية المواطنين من الجرائم الإلكترونية.

3. تعديل قانون الاستثمار، لتشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي.

4. تشريع قوانين تُلزم الشركات النفطية بتوظيف الشباب، للحدّ من البطالة.

5. قانون يواجه التغيرات المناخية، للحدّ من التصحر والجفاف والنزوح الداخلي.

مراجعة المواقف البرلمانية

في ظل البطالة المرتفعة وتدهور الاقتصاد، يحتاج البرلمان العراقي إلى مراجعة مواقفه بشأن الامتيازات الممنوحة للطبقة السياسية، والتأكد من أنها لا تأتي على حساب حقوق المواطنين. يجب أن تكون الأولوية في التشريعات المقبلة هي تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، بما ينعكس إيجابيًا على حياة العراقيين، ويغيّر واقعهم نحو الأفضل.

خاتمة: البرلمان خادمٌ للشعب أم سيدٌ فوق القانون؟

لم يعد العراقيون يثقون بالوعود التي يطلقها السياسيون، لكنهم ينتظرون خطوة واحدة تثبت أن البرلمان خادمٌ للشعب، لا سيدٌ فوق القانون. والسؤال الأهم: هل سيدرك البرلمان أن بطاقة دخوله الحقيقية إلى قلوب العراقيين ليست بمنح الجوازات الدبلوماسية وإعفاءاتها الجمركية، بل بإعفاء الشعب من معاناته المستمرة؟ إن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والازدهار، وضمان حياة كريمة للمواطن العراقي.